عمال التوصيل والاقتصاد المنزلي- الخصوصية والأمان في عصر السرعة.

المؤلف: عقل العقل09.06.2025
عمال التوصيل والاقتصاد المنزلي- الخصوصية والأمان في عصر السرعة.

في قلب عالمنا المعاصر، حيث تهيمن الثورة المعلوماتية، أصبحت خصوصية الأفراد عرضة للاختراق، خاصة من قبل الشركات التجارية العملاقة. فمن خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي المتنوعة، تتعمق هذه المؤسسات في فهم اهتماماتنا، وميزانياتنا، وعناويننا، وحتى أدق تفاصيل روتيننا اليومي، بغض النظر عن بعدنا عن مركز المدينة الصاخب. عندما نتأمل شوارع مدننا، بما في ذلك مدن الخليج الزاهرة، لا يسعنا إلا أن نلاحظ المشهد المتكرر لحشود عمال التوصيل الذين يجوبونها بلا كلل على مدار الساعة. هؤلاء العمال، مدفوعين بالدراجات النارية في الغالب، أو السيارات الصغيرة، يسلمون الطلبات المتنوعة، خاصة المأكولات والمشروبات، إلى المنازل. يثير هذا السلوك المفرط الذي أدمناه تساؤلات هامة حول الأضرار الصحية والاقتصادية والاجتماعية المترتبة عليه. فغالبية هؤلاء العمال ينحدرون من دول وخلفيات ثقافية واجتماعية متباينة، ويعانون من ظروف اقتصادية قاسية. لقد قصدوا منطقتنا منذ عقود، حيث وجدوا فرص عمل وظروف معيشية مناسبة في دولنا. وتكشف التحويلات المالية الهائلة التي يرسلونها إلى بلدانهم عن حجم هذا التدفق الاقتصادي. في الماضي، كانت العمالة تعيش في عزلة، وتعمل في ظروف بعيدة عن المجتمعات المحلية، حيث خصصت بعض الدول مناطق ومجمعات سكنية لهم. ولا يزال في ذاكرتنا الشركات الكورية الجنوبية التي ازدهرت في فترة الطفرة في السبعينات من القرن الماضي. أما اليوم، فقد أصبح عمال التوصيل ضرورة لا غنى عنها لأجيالنا الحالية. ومع ذلك، لا بد أن تتغير أساليب التعامل معهم، فهم يظلون مختلفين عنا لغة وثقافة ومفاهيم. إنهم يعملون تحت ضغوط هائلة لإنجاز عمليات التسليم المطلوبة منهم بسرعة، بهدف تحقيق مكسب سريع. إنني لا أدعو إلى المعاملة القاسية أو التمييز ضدهم، بل على العكس، يجب علينا الاحتفاظ بخصوصيتنا قدر الإمكان، وتجنب توثيق العلاقات مع مندوبي التوصيل الذين لا نملك عنهم معلومات كافية. قد تعاني بعض العائلات من ظروف خاصة، مثل وجود كبار السن أو وجود نساء فقط في المنزل. انطلاقاً من طيبتنا وإنسانيتنا وقيمنا الأخلاقية، قد نميل إلى مساعدة البعض منهم بتقديم المال أو غيره، مما قد يعطي انطباعاً بأننا نملك ثروة كبيرة، وبالتالي نصبح عرضة لأطماع ضعاف النفوس. على الرغم من أن الوضع ليس خطيراً للغاية حتى الآن، إلا أننا نسمع ونقرأ عن مآسٍ تصل إلى الاعتداء والقتل في بعض مدننا، والسبب في ذلك هو الطيبة المفرطة من بعض الأشخاص. ففي العديد من الثقافات، يتلقى الأطفال نصائح مستمرة تحذرهم من التحدث إلى الغرباء، وتؤكد أن الخطر قد يأتي من الغريب. وأعتقد أن هذا هو أحد الحلول للتعامل مع مندوبي التوصيل، وهو عدم الخوض في تفاصيل شخصية عنهم أو عن دولهم وعائلاتهم ورواتبهم ومدة إقامتهم في البلد. يجب أن نكون محددين ومؤدبين في التعامل معهم، بهدف إنجاز الخدمة بسرعة وكفاءة. لا يعني هذا إغفال الدور الهام الذي يجب أن تقوم به الجهات الرسمية المعنية في تنظيم وتدريب هذه العمالة التي غزت حياتنا. يجب ألا يترك العمل في هذه المهنة لشركات لا تهتم إلا بالربح المادي، دون تقدير خطورة استقدام عمال دون التحقق من خلفياتهم الثقافية والاجتماعية، كما تفعل بعض الدول التي تطلب من مكاتب العمل تدريب الخادمات على العمل في المنازل، وتزويدهن بمعلومات معقولة عن المجتمع الذي سيذهبن إليه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة